الإزهار floraison ظاهرة طبيعية خاصة بالنباتات الراقية، تتمثل بإنتاج الأزهار المولدة للثمار والبذور التي تنجز الدورة الحيوية. ويُقْسم إلى مرحلتين: مرحلة الشروع في الإزهار، ومرحلة نضج الإزهار.
مرحلة الشروع في الإزهار تنطلق مرحلة الشروع في الإزهار لدى بعض الباحثين من ظاهرة تفتح البراعم الزهرية، وترى الغالبية أن الشروع في الإزهار عملية أطول من ظاهرة تفتح البراعم الزهرية، وأنها تنطلق بدءاً من تحوُّل النسج القابلة للانقسام المولدة للأوراق إلى نسج قابلة للانقسام مولدة للبداءات المكونة للأعضاء الزهرية، مُحوِّلة بذلك الانقسامات الخلوية المولدة للبراعم الورقية إلى انقسامات خلوية خيطية مولدة لما يعرف بالبراعم الزهرية.
تنطلق الانقسامات الخلوية المولدة للبراعم الزهرية في النباتات المعمرة قبل عشرة أشهر من تفتح الأزهار. وهكذا يمكن في مطلع الشتاء التفريق بين براعم زهرية جنسية وبراعم خضرية ورقية، في حين تتكون بداءة البراعم الزهرية في النباتات الحولية قبل بضعة أشهر أو بضعة أسابيع أو بضعة أيام من تفتح البراعم الزهرية كما هي الحال في النباتات الحولية الصحراوية أو النباتات الحولية التي تعيش في الصرود الجبلية المرتفعة، حيث تقتضي قسوة الأحوال المناخية الإسراع في إنجاز الدورة الحيوية.
ويرتبط الشروع في الإزهار بشروط عدة بالغة الدقة لتحقيق ما يُعرف بنضج الإزهار floraison maturity.
مرحلة نضج الإزهار يتطلب نضج الإزهار وصول النبات إلى عمر محدد ويتمثل هذا العمر المحدد إما بوصول البراعم إلى أبعاد مناسبة أو بإنتاج عدد مرتفع من الأوراق أو العُقَد أو السلاميات، وتعجز العوامل الأخرى المنشطة للإزهار مهما تضافرت عن تحقيق الإزهار إذا لم يتحقق الحد الأدنى من النمو أو من عمر النبات. وهكذا تتكون البداءات الزهرية في إبط الفلقات في الفول السوداني Arachis hypogea ويحتاج السنديان Quercus calliprinos إلى عدة سنوات خضرية قبل التمكن من تكوين بداءاته الزهرية، في حين يتطلب نضج إزهار الشيلم Secale cereale سبع عقد أو أوراق أو سلاميات، وتتطلب بعض ضروب البندورة إنتاج 13 ورقة، والتبغ إنتاج7 - 20 ورقة تبعاً للضروب.
وهناك إضافةً إلى ما تقدم، عوامل تنشط الإزهار أو تثبطه، من أبرزها التغذية والحرارة والدورات الضوئية والدورات الحرارية والدورات المناخية المعروفة بعلم الظواهر phenolog.
أثر التغذية في نضج الإزهار: يتأثر نضج الإزهار بالتغذية المناسبة وهكذا ينشَّط تكوين الإزهار إذا ما راوحت نسبة الكربون/ آزوت في الخلية بين 15-.20 ويتطلب نضج إزهار الشيخية Senecio والنجمية Stellaria إنارة قوية ترفع نسبة الكربون في الخلية. كما يعمل ارتفاع نسبة الكربون والفوسفور والبوتاسيوم في الخلية على تنشيط الإزهار، في حين يعمل ارتفاع نسبة الآزوت على تنشيط نمو الجهاز الخضري.
أثر الحرارة في نضج الإزهار: يُحرِّض التعرض لبعض درجات الحرارة إزهار عدد من الأنواع النباتية، وقد شاع مؤخراً استعمال التبريد المُنَشِّط للإزهار، المعروف باسم التربيع vernalization، والذي انتشر استعماله في مجال زراعة القمح. وقد مكّن التربيع من التفريق بين قمح شتوي (يزرع في الخريف، ويُخرج ورَقة في الشتاء ويُزهر في الصيف القادم منجزاً دورة حياته في السنة الميلادية التالية لزراعته) وقمح ربيعي (ينجز دورة حياته في السنة الميلادية التي زُرع فيها، إذ يزرع في الربيع، ويزهر في صيف السنة ذاتها). وقد تمكن العلماء السوفييت والألمان والأمريكيون من الحصول على عروق ربيعية قادرة على اختصار دورة حياتها إلى ثلاثة أشهر بالتبريد الصنعي لبادرات فتية أو لبذور مبللة من عروق قمح خريفي. وبذلك توسعت عملية زراعة القمح فشملت كثيراً من المناطق الباردة التي كان من المتعذر على البادرات تحمل برودتها الشتوية. فإذا ما وُضِعت بذور مبللة من قمح خريفي مدة 30 يوماً في درجة حرارة +2ْ أمكن الحصول على إزهار مبكر. وإذا مازرعت في الربيع بذور قمح خريفي، نمت واشتدت خضرتها وتعذر إسبالُها قبل إصدار 25 ورقة، ويهبط هذا العدد إلى إصدار سبع ورقات فقط إذا ما وُضعت بإدراته الفتية في حالة البرودة الآنفة الذكر. ويمكن تطبيق هذه الطريقة على الأشطاء الفتية shoot (الَشطْء من الشجر ما خرج حول أصوله ويقصد به ساق وورق الزرع المنتش وورقه)، والبزور الناضجة المبلَّلة، والأجنّة الآخذة بالتشكل في البذور، شريطة عدم الإخلال بنظام عملية التركيب الضوئي التي تزود النسج القسومة بالمواد السكرية. ويمكن إبطال مفعول التربيع بتعريض البزور التي سبق تربيعها إلى درجة حرارة +30ْ مئوية وفي رطوبة مناسبة. وهذا ما يُدعى إزالة التربيع devernalization.
تَنقُل النسج القابلة للانقسام المعرضة للبرودة خصائص التربيع، الممثلة بتسريع الإزهار، إلى أنسالها. وبذلك يمكن الحصول على عروق ربيعية ذات مواصفات خاصة.
ويحتاج نُضج إزهار النباتات الثنائية الحول إلى التعرض لبرودة مناسبة تتحقق في الطبيعة، في برودة الشتاء الذي يسبق نضج الإزهار، أو تتحقق في المختبر بتعريض النبات الثنائي الحول لبرودة مناسبة تمكنه من الإزهار في السنة نفسها. ويمكن تطبيق القول نفسه على النباتات العشبية المعمرة التي يَتَطلبُ إزهارها كل عام التعرض لبرودة شتوية مناسبة تؤثر على كامل النسج القابلة للانقسام فتتحول جميعها من نسج خضرية إلى نسج زهرية. أما في المعمرات الجنبية أو المعمرات الشجرية فالأمر مختلف إذ لا تزهر إلا النسج القابلة للانقسام التي تعرضت لبرد الشتاء، وتبقى النسج القابلة للانقسام التي لم تتعرض للبرودة الشتوية محافظة على خصائصها الخضَرية التي يتحقق بوساطتها استمرار حياة النبات بعد الإزهار بتكون سوقٍ جديدة قادرة على حمل جيل جديد من أزهار تتولد بعملية تربيع طبيعي وتتأثر ببرودة شتاء العام القادم.
أثر الدورة الضوئية في نضج الإزهار: تتحكم الدورة الضوئية photoperiodism، ممثلةً بطول نوبة الإنارة اليومية، في عملية الشروع في الإزهار تحكماً يختلف باختلاف الأنواع النباتية. وهكذا يزهر القنَّب وبعض ضروب التبغ إذا ما تعرضت لنوبة إنارة قصيرة في النهار، وتورق إذا ماتعرضت لنوبة إنارة طويلة النهار، ويزهر القنَّبُ إذا ما راوحت نوبة الإنارة اليومية بين 8 و 10 ساعات. وتقسم الأنواع النباتية اعتماداً على طرق استجابتها للنوبة الضوئية اليومية إلى نباتات طويلة النوبة الضوئية ونباتات قصيرة النوبة الضوئية ونباتات سَادِرة (أي لا مبالية) النوبة الضوئية. وهكذا تزهر الزمرة الأولى في الشتاء والخريف، في حين لا تتأثر الزمرة الثالثة بتناوب الفصول، الأمر الذي يجعلها عالمية الانتشار.
ودلت الدراسات الحديثة على وجود أصبغة نباتية phytochrome تتبدل بتبدل الدورة الضوئية. كما كشفت الأبحاث وجود نموذجين من هذه الأصبغة النباتية: أحدهما خامل يمتص الأشعة الحمراء ذات طول الموجة 660 نانومِتْر (10-9متر)، والآخر يمتص الأشعة الحمراء ذات طول الموجة 730 نانومِتْر وهو النموذج الفعّال للصبغ، إذ يَحُض على إزهار نباتات الأيام الطويلة النهار ويثبط إزهار نباتات الأيام القصيرة النهار. كما يمكن للنموذج الفعال أن يتحول إلى نموذج خامل إذا ماتعرض إلى نوبة ظلام طويلة.
أثر الدورة الحرارية في نضج الإزهار: يحتل طول نوبة الدورة الحرارية thermoperiodism مكانة مماثلة للمكانة التي تحتلها الدورة الضوئية وهكذا يتعذر إزهار المكحَّلة Hyacinthus والتوليب Tulipa إذا لم يتعرض جهازهما الخضري لنوبة برودة بين 6ْ- 10ْ درجة مئوية تستمر بضعة أسابيع، متبوعة بنوبة دفء تصل إلى 20ْ درجة مئوية. كما يتعذر إزهار أبصالهما إذا حرمت من نوبة الدفء ووضعت في حرارة 1ْ درجة مئوية. ولا يعود للأبصال إزهارها إلا بعد حصولها على نوبة الدفء المطلوبة.
ومن الأنواع النباتية ما يحتاج إزهارها إلى نوبات حرارية أكثر من حاجتها إلى نوبات ضوئية. وهكذا يحتاج إزهار الحمص Cicer arietinum إلى نوبات حرارية متعاقبة بين البرودة والدفء. كما يتعذر إزهار الحرشف (القِنارة) Cynara scolymus (المسمّى في الشام أنكنار وأرضي شوكي) إذا مازرع في مناطق مدارية محرومة من نوبات البرودة الليلية.
أثر الدورات المناخية في الإزهار: للدورات المناخية أثر في نضج الإزهار. إذ يُبكِّر الإزهار أو يتأخر متأثراً بالعوامل المناخية الرئيسية من حرارة ورطوبة وإنارة، وكلها تُعالج في علم جديد يُعرف بعلم الظواهر (فينولوجية phenology) ويدرس العلاقة بين الدورات المناخية بصفته ظاهرةً حيوية دورية.
وقد تقدم علم الظواهر بتقدم أجهزة القياس الفيزيائية التي مكَّنت من وضع مقاييس المعطيات المناخية وتصنيفها على المستوى المحلي والعالمي، فقد أصبح بالإمكان رسم خطوط بيانية توضح المراحل المختلفة لتفتح النبات وانتقاله من طور إلى طور في السنة الزراعية وفي الدورات المناخية، كما أصبح بالإمكان تحديد حساسية أي نوع نباتي للتبدلات المناخية المحلية، فمن الأنواع ما يبكر إزهارها شهراً إذا تمتعت بشتاء دافىء، ومن الأنواع ما تضم ضروباً متفاوتة الحساسية فيما يتصل بالدورات المناخية.
تحياتِ لحن الحياة